شهر رمضان له ميزة الاستقبال لدى المسلمين فهو ضيف كريم يسعد ويفرح الناس بحلوله وتختلف مظاهر استقباله كل حسب عاداته وتقاليده أو حسب البلد الذي يعيش به المسلم..
وهنا ومن خلال مشاركتي والتي ستستمر خلال هذا الشهر الفضيل سوف أقوم بتسليط الضوء على أحوال المسلمين وكيفية استقبالهم لهذا الشهر الفضيل من خلال جولات إلى بعض بلدان العالم...
وستكون جولتنا لهذا اليوم إلى { تركيا }
كما هو الحال عند كل الشعوب الإسلامية في العالم ككل في استقبال هذا الشهر الكريم يستقبل الشعب التركي المسلم شهر رمضان المبارك بمظاهر من الفرح والسعادة والبهجة والحقيقة أن هذه المظاهر العلنية من الشعب التركي فيها من البراهين والأدلة الكافية على عمق وترّسخ الإسلام ورفض المبدأ العلماني الذي تتمسك به النخبة الحاكمة في تركيا .
وفي هذه الجولة الرمضانية سوف نستعرض ونقدم بعضًا من هذه المظاهر التي تجتاح الشارع التركي خلال شهر رمضان المبارك...
مع إطلالة اول يوم من ايام هذا الشهر الفضيل وبعد الإعلان عنه يبدأ الشعب التركي بالابتهاج بهذا الشهر بطريقتهم الخاصة ولعل ظاهرة إنارة مآذن الجوامع عند صلاة المغرب وحتى الصباح الباكر دليل على تلك الفرحة الغامرة بهذه المناسبة .. ومظهر إنارة المآذن ويسمى عند الأتراك بـ "محيا"وهو المظهر المعبر عن الفرحة والبهجة بحلول الشهر المبارك وتصحب ظاهرة إنارة المآذن ظاهرة أخرى هي أيضًا من نفحات الشهر الكريم ألا وهي صلاة التراويح التي تتمتع بحب عظيم واحترام كبير عند أفراد الشعب التركي فبعد تناول طعام الإفطار يهرع الأطفال والشباب والنساء والرجال ناحية الجوامع والمساجد لحجز الأماكن في صلاة العشاء ومن بعدها صلاة التراويح ويقوم أهل الخير من الأتراك بتوزيع الحلوى على الأطفال المشاركين في صلاة التراويح عقب انتهائها تشجيعا لهم لاستمراريتهم في أداء الصلاة مع الجماعة .
ومن العادات الجميلة والمحبوبة عند الشعب التركي اهتمامه بقراءة القرآن طيلة شهر رمضان فعلى صعيد تلك العادة المحبّبة يقوم الأتراك من الرجال بتقسيم سور القرآن الكريم فيما بينهم على أساس قدرة الشخص في تحمل قراءة كمٍّ من السور القرآنية فالبعض يقبل قراءة سورة والبعض الأخر يقبل قراءة أكثر من سورة وفي الأيام الأخيرة من شهر رمضان تقوم هذه المجموعة أو تلك التي انتهت من ختم القرآن بالذهاب سويًّا إلى أحد الجوامع القريبة لكي تقوم بالدعاء الجماعي الخاص بختم قراءة القرآن و يشارك إمام الجامع في الأغلب هذه الجماعة في مسألة الدعاء والحفل الديني الصغير الذي يقام داخل الجامع ..
وهناك ظاهرة جديدة بدات بالظهور عند الاتراك لم تكن موجودة منذ قبل وهي إقامة معرض للكتب الدينية يبدأ في الأسبوع الثاني من شهر رمضان ويستمر حتى نهايته و يقام هذا المعرض سنويًّا في الجامع الكبير"أولو جامع" بالعاصمة أنقره وفي الرواق الداخلي لجامع السلطان أحمد بمدينة إستانبول وتبدأ أنشطة هذا المعرض بعد صلاة المغرب من كل يوم حيث يتوافد الآلاف من الأتراك رجال ونساء على ميدان السلطان أحمد في إستانبول لأداء صلاة العشاء وصلاة التراويح ثم يتجولون في معرض الكتب المقام في الصحن الداخلي للجامع ..
ومن المظاهر الرمضانية الاخرى وهي اعداد موائد الافطار المجانية حيث يقوم أهل الخير والجمعيات الخيرية في الماضي القريب يقومون بإعداد موائد الرحمن المجانية لإفطار الصائمين الذين يدركهم وقت الإفطار وهم في الشوارع أو في الطريق إلى منازلهم ولكن كانت الموائد تتم داخل المباني والحوائط شبه المغلقة والسبب في ذلك يعود الى أن الحكومة التركية لا تراعي حرمة الشهر أو ترفع المشقة عن العاملين وموظفيها فهي لا تحدث أي تقليل في ساعات العمل بل تصرف العمال والموظفين في الساعة الخامسة من كل يوم وهو نفس توقيت أذان المغرب ولكن الأمر يختلف في شركات القطاع الخاص التي تصرف عمالها قبل موعد الإفطار بساعة تقريباً ومن ثم فقد كانت فكرة الموائد الرمضانية العامة والمجانية التي تقام في الشوارع مناسبة جداً لخدمة الألوف من الصائمين الأتراك الذين لا يستطيعون إدراك الإفطار في بيوتهم.
ومن عادات الأتراك في شهر رمضان أن يبدءوا إفطارهم بتناول التمر أو الزيتون ويأكلون التمر والزيتون والجبن بأنواعه قبل تناول الطعام الشهي والبعض يقوم لأداء صلاة المغرب أولاً ثم يعود لمائدة الطعام مستمراً في إفطاره والبعض يكمل إفطاره ثم يؤدي صلاة المغرب وفي شهر رمضان تقوم الأفران والمخابز بعمل خبز خاص لا يُرى إلاّ في شهر رمضان ويسمونه بـ"بيدا"وهى كلمة فارسية تعني"الفطير"، وهو نوع من الخبز المستدير بأحجام مختلفة ويباع بسعر أغلى من سعر الخبز العادي ولمّا كانت فطائر" البيدا" تخص شهر رمضان فإن الأطفال يقفون في صفوف طويلة قبل موعد الإفطار بقليل للحصول على الفطائر الطازجة والأتراك عادة من الشعوب الإسلامية التي تتمتع بثقافة في الطعام والشراب تفوق قرناءها وتعتبر الكنافة (العجائن المستديرة والتي تمتلئ أو تحشى بالمكسرات وتسمى عند أهل الشرق بالقطائف) والجلاّش والبقلاوة من أبرز أنواع الحلويات التي يقبل عليها الأتراك في شهر رمضان ولكن يظل دائمًا وأبدًا طبق الشوربة الساخنة من الأطعمة الأساسية في المائدة التركية ولعل هذا راجع لظروف المناخ البارد في أكثر أوقات السنة.
في الختام فإن أبرز مظاهر شهر رمضان عند الأتراك تبدو بوضوح في مدينة إستانبول التي تضم أكبر وأجمل جوامع الدنيا من الناحية المعمارية والفنية وفي إستانبول أيضا تكمن أكبر كثافة سكانية في تركيا (حوالي عشرة ملايين نسمة) والمدينة تمثل الرمز الإسلامي عند الشعب التركي منذ فتحها على يد السلطان محمد الأول الذي لقبّه الأتراك بالفاتح ولا غرابة في أن تستحوذ إستانبول على المظاهر الحيّة لشهر رمضان فهي المدينة التي ظلت عاصمة للدولة العثمانية الإسلامية قرابة خمسة قرون ففيها يقرأ القرآن يوميًّا وبدون انقطاع على مدار الأربع والعشرين ساعة .