رؤية الهلال يوم الجمعة كانت مستحيلة ملايين المسلمين صاموا لرؤية كوكب عطارد
المهندس محمد شوكت عودةرئيس المشروع الإسلامي لرصد الأهلة
تستدعي بداية شهر رمضان المبارك لهذا العام وقفة لتحليل ما حدث، فقد أعلنت بعض الدول أن بداية شهر رمضان هي يوم السبت 23 أيلول/سبتمبر وهذه الدول هي السعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات واليمن والعراق وفلسطين ولبنان وليبيا والسودان،
في حين أعلنت دول أخرى أن بداية شهر رمضان هي يوم الأحد 24 أيلول/سبتمبر ومن هذه الدول:
إندونيسيا وماليزيا وتركيا وعمان والأردن وسوريا ومصر وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا والصومال والعديد من الدول الأخرى والبالغ عددها 39 دولة،
وأعلنت دول أخرى أن يوم الاثنين هو أول أيام شهر رمضان ومنها إيران وباكستان،
وتستوقفنا هنا الدول التي بدأت صيامها يوم السبت، فرؤية الهلال يوم الجمعة كانت مستحيلة من جميع دول العالم الإسلامي وذلك لغروب القمر قبل غروب الشمس في ذلك اليوم، فقد غاب القمر في مدينة مكة المكرمة يوم الجمعة قبل دقيقة من غروب الشمس وفي أبو ظبي قبل دقيقتين وفي عمّان قبل دقيقتين وفي القاهرة قبل دقيقة،
فأما بالنسبة لليبيا فهي تعلن رسميا أنها لا تعتمد رؤية الهلال بل تكتفي بحدوث الاقتران قبل الفجر وقد تحقق هذا الشرط يوم الجمعة ولذلك بدأت صيامها يوم السبت،
أما بالنسبة لبقية الدول فإنها تعلن أن رؤية الهلال هي المحدد لبداية الشهر الهجري، وبالرجوع إلى البيانات الرسمية لجميع هذه الدول نجد أن جميعها ذكر بشكل واضح عدم ثبوت رؤية الهلال فيها وأنه تم اعتماد الرؤية المعلنة في السعودية، وهذا يعني أن الدولة الوحيدة التي أعلنت ثبوت رؤية الهلال يوم الجمعة كانت السعودية،
وبالرجوع إلى وضع القمر يوم الجمعة في السعودية نجد أن القمر قد غاب قبل غروب الشمس في جميع مناطق السعودية، وهذا ما أكده جميع علماء الفلك في العالم، حتى السعوديين منهم، وأكدوا جميعهم على أن بداية شهر رمضان يجب أن تكون يوم الأحد باعتماد رؤية الهلال،
وهذا يعني أن من ادعى رؤية الهلال في السعودية يوم الجمعة بعد غروب الشمس هو متوهم على أقل تعبير إذ أن القمر نفسه لم يكن موجودا في السماء حينها، ولكن من اللافت للنظر وجود ثلاثة كواكب في جهة الغرب في ذلك اليوم بعد غروب الشمس وهي المريخ وعطارد والمشتري، وعلى الرغم من أن أيا منها لا يشبه الهلال إلا أن عدم معرفة الراصد بشكل الهلال يجعل من الممكن اشتباه أحد الأجرام الأخرى بالهلال، وخير دليل على ذلك عام 1984م حين كانت عدة شهر رمضان في السعودية 28 يوما فقط! إذ أن أحد الشهود اعتقد كوكبي عطارد والزهرة هما قرنا الهلال، فأفطرت السعودية على أثر هذه الشهادة بعد مرور 28 يوما من شهر رمضان فقط، أما رمضان هذا العام فقد كان كوكب عطارد هو الأقرب للاشتباه به، بسبب قربه من الأفق بعد غروب الشمس، وعلى الرغم من عدم رغبتنا بشكل عام للتأكيد على دقة الحسابات الفلكية، لأن التشكيك بها عندما استخدمها الغرب للوصول إلى القمر والمريخ لا يدل إلا على جهل المشكك بها، ولكننا نورد أمثلة بسيطة للتدليل على دقتها، ومنها أن الحسابات الفلكية قادرة على التنبؤ بمواعيد الخسوف والكسوف لأقرب ثانية.
وهذا ما دأبنا عليه خلال السنوات الماضية، وقد رأى الناس بأم أعينهم توافق مواعيد الكسوف الحقيقية مع تلك المحسوبة مسبقا، بل وقمنا في كسوف عام 1999م بتوقيت الكسوف أمام جمهور المشاركين وشاهدوا كيف انتهى الكسوف في نفس الثانية التي تم حسابها مسبقا، فالدقة في الحسابات الفلكية تصل إلى أجزاء من الثانية،
و أقوى دليل على الدقة المتناهية للحسابات الفلكية هو القمر نفسه! فيقوم الفلكيون بنشر مواعيد شروق وغروب القمر كل يوم، فإن كانت مراقبة هذه المواعيد غير ممكنة في أول وآخر يومين من الشهر بسبب وقوع القمر بالقرب من الشمس، فيبقى 25 يوما من الشهر بإمكان كل مشكك أن يراقب القمر بنفسه ويشاهد كيف سيشرق القمر ويغرب في نفس الدقيقة المحسوبة مسبقا! إننا لا نسوق كلاما نظريا بل إننا نذكر أدلة بإمكان أي شخص القيام بها للتأكد من أن الحسابات الفلكية في غاية الدقة.
هذا وقد ذكرنا مسبقا أن رؤية الهلال يوم السبت هي صعبة أيضا! ولذلك بدأت بعض الدول صيامها يوم الاثنين، فقد قمنا بمحاول لتحري الهلال يوم السبت من على قمة جبل حفيت في مدينة العين في دولة الإمارات مستخدمين تلسكوب محوسب بقطر 10 بوصة، ويتوجه التلسكوب أوتوماتيكيا نحو الجرم السماوي المطلوب رصده، وللتأكد من دقة التوجيه، فقد تم توجيه التلسكوب نحو كوكب المشتري واستطعنا رؤيته في منتصف حقل الرؤية وبعد ذلك تم توجيهه نحو كوكب عطارد الذي كان ملاصقا للقمر في ذلك اليوم واستطعنا رؤيته ولكن عندما تم توجيه التلسكوب نحو القمر لم نتمكن من رؤية الهلال!
فإن كنا نحن كفلكيين لم نتمكن من رؤية الهلال من على قمة جبل يوم السبت باستخدام تلسكوب محوسب، فكيف يدعي من يدعي أنه رآه بالعين المجردة يوم الجمعة! وقد قام راصدو الهلال في السعودية بتحري الهلال يوم السبت من أربعة مناطق مختلفة مستخدمين تلسكوبا محوسبا في بعض المناطق ومناظير في مناطق أخرى ولم يروا الهلال، وفي الكويت حاول أكثر من 60 شخصا رؤية الهلال فلم يتمكنوا على الرغم من استخدام المناظير، وفي الأردن لم يتمكن أكثر من 40 راصدا رؤية الهلال حتى باستخدام المناظير، وفي الجزائر حاول أكثر من 40 راصدا مزودين بستة مناظير رؤية الهلال ولم يتمكنوا وكذلك الحال في المغرب.
تجدر الملاحظة أننا نتحدث عن يوم السبت! فالهلال لم ير يوم السبت من قبل راصدين محترفين متواجدين في مناطق مختلفة، فكيف يا ترى ظهر الهلال يوم الجمعة!
إن كان الهلال قد ظهر يوم الجمعة فهذا يعني أنه يجب أن يكون يوم السبت أكبر وأعلى ويراه الشخص العادي، ولكن في الحقيقة لم يتمكن حتى الفلكيون من رؤيته يوم السبت حتى باستخدام التلسكوب! ومما يجعل المشكلة أكبر أن عدة شهر رمضان يجب أن تكون 30 يوما إن كانت بداية رمضان يوم الأحد! فالقمر يوم 30 رمضان بالنسبة للدول التي بدأت صيامها يوم السبت سيغرب قبل غروب الشمس! أي أن القمر لن يكون موجودا في السماء يوم 30 رمضان، وهذا دليل قاطع على خطأ بداية شهر رمضان في هذه الدول إن كانت رؤية الهلال هي المطلوبة!
إن الحسابات الفلكية هي الحل الأمثل لنتأكد من أن الشاهد قد رأى الهلال وعليه يمكننا العمل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له"، أما بتهميش العلم فإننا بكل أسف نصوم ونفطر لرؤية كوكب عطارد أو الزهرة!
وإننا نرى أنه من واجبنا شكر المسئولين في الدول التي أبت أن تستخف بعقولنا ولم تعلن ثبوت رؤية الهلال يوم الجمعة!
فالإعلان عن رؤية الهلال يوم الجمعة حين كان القمر غائبا هو جهل بأبسط البديهيات العلمية، ونتوجه بالشكر بشكل خاص لسماحة الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي مصر وسماحة الدكتور أحمد هليل قاضي القضاة في الأردن والذي استهل بيانه بقوله: "والتزاما مع منهج ديننا وتوجيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي تدعو إلى احترام العقل والعقلاء والعلم والعلماء.... " فهو يعلم أن الإعلان عن رؤية الهلال يوم الجمعة هي عبارة عن إهانة للعلم وللعقول، فتحية كل التحية لكل المسئولين المخلصين الذين حرصوا على أن يبدؤوا شهر رمضان برؤية حقيقية للهلال لا تتعارض مع الحقائق العلمية الثابتة.