عبد العليم غزي
عدد المساهمات : 2501 نقاط : 5271 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 22/06/2009 الموقع : bnatelzarka.yoo7.com
| موضوع: صفـة الأبوة لدى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ( 1 ) !! 28/9/2009, 1:43 pm | |
|
صفـة الأبوة لدى النبي
كان النبي صلى الله عليه وسلم ذروة في كل وحدة من وحدات الحياة وفي كل أمر فيها. وعندما يريد الناس البحث عنه يجب ألا يبحثوا عنه في مستواهم ولا في مستوى عظماء عصره، بل عليهم أن يبحثوا عنه في أعلى الذرى وأن يطيروا بخيالهم فوق هذه الذرى لكي لا يخطئوا فيقصروا في فهم قدره الحقيقي. أجل، من أراد البحث عنه، عليه أن يبحث عنه في أُفقه، وليس بين كل مستويات الأشخاص العاديين من أمثالنا، ذلك لأن الله تعالى وهبه قابليات كبيرة في كل ساحة.
عاش فخر الإنسانية مثل شمس ساطعة ثم غرب، فلم تر الإنسانية مثيلا له من قبل، ولن تراه من بعد، وكما لم تر الإنسانية هذا، كذلك لم يره معاصروه والقريبون منه، وربما لم يدرك الكثيرون آنذاك غروبه إلا بالوحشة التي أحسوها في قلوبهم بعده، كمثل الزهرة المتعلقة حياتها بضوء الشمس لا تحس بغروب الشمس إلا بعد إحساسها بالذبول جراء انقطاع ضوء الشمس عنها.. أحسوا بالوحشة ولكن الأمر كان قد فات وانقضى.. ومن الطبيعي أن عدد من يفهمونه ويعرفونه في أمته يزداد يوما بعد يوم، وعلى الرغم من مرور 14 قرنا فلا نزال نقول “أُمُّنا” لخديجة، ولعائشة ولأم سلمة ولحفصة رضي الله عنهن جميعا، ونحس بلذة وببهجة من هذا القول أكثر من لذتنا عندما نخاطب أمهاتنا، ولا شك أن الشعور بهذه اللذة وبهذه البهجة كان أعمق في ذلك العهد وأكثر حرارة وإخلاصا، وذلك من أجله صلى الله عليه و سلم، لذا.. نرى أبا بكر رضي الله عنه يخاطب ابنته عائشة قائلا لها: "يا أمي" لأن الآية الكريمة تقول {وأزواجه أمهاتهم} (الأحزاب: 6). نعم، لقد كان أبو بكر رضي الله عنه يقول لابنته التي رباها في حجره "يا أمي".
كل هذا الحب وهذا التقدير الذي أحاط بهن لم يكن يجدي في إزالة حزنهن وألمهن من فراقه صلى الله عليه و سلم، ولم تستطع الأيام الحلوة التي أتت بعد أيام الفتوحات أن تقلل هذا الحزن العميق في قلوبهن.. بل استمر هذا الحزن حتى غروب حياة كل واحدة منهن، وكما كان زوجا مثاليًّا لزوجاته، فقد كان أبا مثاليًّا أيضا.. وعلى المقياس نفسه كان جدَّ مثاليٍّ لا يوجد له نظير أو شبيه.
كان يعامل أولاده وأحفاده بحنان كبير، ولم يكن ينسى وهو يعطي كل هذا الحنان أن يوجه أنظارهم إلى الآخرة وإلى معالي الأمور، كان يضمهم لصدره ويبتسم لهم ويداعبهم، ولكنه في الوقت نفسه لم يكن يغض طرفه عن أي إهمال لهم حول شئون الآخرة، وكان في هذا الأمر واضحا جدا وصريحا جدا، ووقورا ومهيبا وجادًّا فيما يتعلق بصيانة العلاقة بينه وبين خالقه.
فمن جهة كان يعطي الحرية لهم ويرشدهم إلى طرق العيش بشكل يليق بالإنسان، ومن جهة أخرى كان لا يسمح بانفلات الانضباط أو سلوك طريق اللامبالاة. ويبذل كل جهوده وبكل دقة لمنع إصابتهم بأي تعفن خلقي، ويهيئهم لعوالم علوية وللحياة الأخروية، وفي أثناء هذه التربية كان الرسول صلى الله عليه و سلم يحذر من الوقوع في الإفراط أو التفريط، بل يختار الطريق الوسط ويمثل الصراط المستقيم، وكان هذا بُعدا آخر من أبعاد فطنته.
1. شـفـقـتـه على أولاده وأحـفاده
روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه الذي خدم رسول الله صلى الله عليه و سلم عشر سنين أنه قال: "ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه و سلم". أجل، كان يتصرف بشفقة ورحمة وعن عاطفة حقيقية نابعة من صميم قلبه بحيث لم يكن بوسع أحد أن يكون مثيلا له لا في مجال رئاسته للعائلة ولا في مجال أبوته.
ولو كان هذا كلاما صادرا منا فقط لكان من الممكن بقاء أهميته محدودة، إلا أن الملايين من أمته التي تعمقت الرحمة والشفقة في قلبها إلى درجة التورع عن إيذاء نملة.. هذه الملايين كلها تعلن وتعترف بأنه لم يكن هناك مثيل له صلى الله عليه و سلم في احتضانه الوجود كله بشفقته ورحمته، صحيح أنه خلق بشرا من البشر، ولكن الله تعالى ألهمه ووضع في قلبه عاطفة الاهتمام بالوجود كله لكي يوطد علاقته مع الناس أجمعين، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مشحونا بعاطفة قوية وباهتمام كبير تجاه أفراد بيته وتجاه الناس الآخرين وكل شيء في الكون.
وتوفي أولاده الذكور في حياته، وقد ولدت له أمنا مارية رضي الله عنها ولدا ذكرا فتوفي كذلك، وكان هذا آخرهم، وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخصص لهم وقتا من بين مشاغله الكثيرة والمهمة فيذهب إلى مرضعة ابنه ويحتضن ابنه ويقبله ويداعبه ويشمه ويظهر له علامات حبه له، وعندما توفي ابنه احتضنه أيضا وقد ملأت الدموع عينيه، ثم قال وهو ينظر إلى المستغربين لحزنه: «إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون.» وفي حديث آخر: «إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا» وأشار إلى لسانه.
لقد كان –صلى الله عليه وسلم- أرحم الناس وأكثرهم شفقة وحنانا، فكان الحسن والحسين رضي الله عنهما يركبان على ظهره ويطوف بهما أرجاء المنزل أو في المسجد، هل تتصورون شخصا في هذا المستوى يأخذ حفيده على ظهره ويكون لهما فرسا أمام الآخرين..؟ أما هو فكان يفعل هذا وكأنه كان يريد إظهار وإعلام الموقع الممتاز الذي سيناله كل من الحسن والحسين رضي الله عنه، وفي أحد الأيام وبينما كان الحسن والحسين رضي الله عنه على ظهره دخل عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال لهما: نِعْمَ الفرس تحتكما، فقال الرسول صلى الله عليه و سلم: «نعم الفارسان هما.
يجوز أن الحسن والحسين رضي الله عنهما فهما ما قاله أو لم يفهما؛ ولكنه كان يمدحهما هكذا، وفي إحدى المرات عندما قال أحدهم للحسن رضي الله عنه وهو على عاتق النبي صلى الله عليه و سلم: يا غلام! نعم المركب ركبت. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «ونعم الراكب هو.» وعن جابر قال: دخلت على النبي صلى الله عليه و سلم وهو يمشي على أربعة وعلى ظهره الحسن والحسين رضي الله عنهما وهو يقول: «نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما.»
ولا شك أن لجميع أهل البيت ولجميع الأولياء نصيب من هذا الاهتمام، لقد كانت هذه هي منزلة أولاده وأحفاده عنده، فدخل حبه إلى قلوبهم وأصبح مظهرًا وموضعًا لحب يتجاوز علاقة الأبناء والأحفاد.
| |
|