عبد العليم غزي
عدد المساهمات : 2501 نقاط : 5271 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 22/06/2009 الموقع : bnatelzarka.yoo7.com
| موضوع: صفـة الأبوة لدى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ( 4 ) !! 28/9/2009, 2:09 pm | |
|
4- تـهـيـئـة أولاده للحياة الأبدية
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يطلب الحياة الأبدية، أي يطلب ما تطلبه الفطرة التي أودعها الله في الناس جميعا... أجل، إن الإنسان للخلود، وليس في الإمكان إشباع هذا الإنسان إلا بالحياة الخالدة، وصاحب هذه الحياة الخالدة لا يطلب شيئا غيرها، وسواء أشعر بذلك أم لم يشعر فإنه لا يطلب غيرها ولا يرغب في سواها، ومهما أعطيت هذا الإنسان فلن تستطيع إشباعه إلا عندما تعطيه الحياة الخالدة... ذلك لأن للإنسان آمالا لا نهاية لها ورغبات لا تحد ولا تحصى، لذا فلن تستطيع إشباع هذا الإنسان مهما أعطيته، وهذا هو السبب في أن أساس رسالات جميع الأنبياء والمرسلين قائم على هذا النظام ذي البعد الأخروي، وعلى هذا الاعتبار فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم بينما كان يحمل لهم باقات السكينة والطمأنينة فإنه لم يكن ليهمل أبدا تهيئتهم للسعادة الأبدية والطمأنينة الأبدية، ويمكن رؤية هذا بكل وضوح في الحادثة التالية:
جاءت فاطمة رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي عنقها سلسلة من ذهب فقال لها: «يا فاطمة! أيغُرُّكِ أن يقول الناس ابنة رسول الله وفي يدها سلسلة من نار.» ثم خرج ولم يقعد، أجل.. فمن جهة كان يعزها، ومن جهة أخرى كان يعدها للحياة الأخروية الخالدة ويوجهها نحو الله وتكملة الحادثة هي: فأرسلت فاطمة بالسلسلة إلى السوق فباعتها واشترت بثمنها غلاما فأعتقته، فحُدِّث بذلك فقال: «الحمد لله الذي أنجى فاطمة من النار.
أجل.. ليس من السهل أبدا أن تكون أما للأولياء وللأصفياء وللأبرار وللمقربين، لذا.. فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أكثر حساسية في هذا الخصوص تجاه بيته وأكثر حزما.
فبتصرفه هذا كان -بجانب رأفته بهم وحنانه عليهم- يريد أن يوجه أنظارهم إلى عالم الآخرة، ويسد أمامهم جميع أبواب ونوافذ الشر أو الإثم أو السوء مهما صغر؛ لكي يقصروا همهم على الآخرة ولسان حاله يقول لهم: يجب أن يكون الله غايتكم، إذ سيظهر من أمته من يقول بقول الشاعر:
“هذه الجنة التي يذكرونها قصور عدة.. وبضعة حوريات أعطها لمن يريدونها أما أنا فأنت مُنايَ.. أنت”
ويقضون أعمارهم كلها تحت ألوان وفي ظلال هذه الحياة الأخروية. لذا، كان الرسول صلى الله عليه و سلم يبعد كل من يحبه -نتيجة طبيعية لهذا الحب- من قاذورات الدنيا ويطهرهم منها، ويحوّل نظرهم واهتمامهم إلى العوالم العلوية ويهيئهم لرفقته هناك «لأن المرء مع من أحب.»
فإذا كنت تحب محمدا صلى الله عليه و سلم فستسلك طريقه، وإذا سلكت طريقه كنت معه في الآخرة، وهكذا فالرسول صلى الله عليه و سلم بجانب حبه لهم كان يهيئهم لرفقته هناك، أجل.. هناك حب، وهناك رأفة ولكن لا محل لأي تراخ في أي أمر من أمور الآخرة... وهذا هو الصراط المستقيم... الصراط الوسط، أفضل وأعدل طريق... طريق على رأسه رسول الله صلى الله عليه و سلم.
وجانب آخر من جوانب نظام تربيته يعرضه علينا الإمام البخاري ومسلم رضي الله عنه وذلك رواية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن فاطمة رضي الله عنها شكت ما تلقى من أثر الرحى فأتى النبيَّ صلى الله عليه و سلم سَبْيٌ فانطلقت فلم تجده، فوجدت عائشةَ فأخبرتها فلما جاء النبي صلى الله عليه و سلم أخبرته عائشة بمجيئ فاطمة فجاء النبي صلى الله عليه و سلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبتُ لأقوم فقال: «على مكانكما» فقعد بيننا حتى وجدتُ برد قدميه على صدري وقال: «ألا أُعلِّمكما خيرا مما سألتماني: إذا أخذتما مضاجعكما تُكَبِّرا أربعا وثلاثين وتُسَبِّحا ثلاثا وثلاثين وتحمدا ثلاثا وثلاثين فهو خير لكما من خادم.»
أي أنني أوجه نظركِ إلى العالم الأخروي، فلكي تصلي وتكوني معي في ذلك العالم أمامك طريقان: الأول هو عدم التقصير في أداء وظيفة العبودية تجاه ربك، والثاني القيام بإيفاء وظيفتك تجاه زوجك، فلو قام الخادم بإيفاء بعض الخدمات لزوجك من الخدمات التي كان من المفروض عليك أداؤها فذلك يعني أن هناك نقصا ما عندك، علما بأن عليك أن تكوني ذات جناحين، لذا.. عليك أن تُفَتشي عما يجعل الإنسان عبدا كاملا لله، وكيف يكون إنسانا كاملا يؤدي كل وظائفه دون قصور.
كوني أولا أمة كاملة لله وأدي كل وظائف العبودية تجاهه، ثم كوني إنسانة كاملة بإيفائك جميع وظائفك تجاه زوجك عليّ الذي يحمل في صلبه كل المقربين من أهل الله حتى يوم القيامة.. اعملي هذا لكي تكوني في الجنة التي هي مكان كل الأخيار.
وفي الحقيقة فإن الله تعالى فعل الشيء نفسه بالنسبة لرسول صلى الله عليه و سلم ورباه على هذا النحو، إذ مات والده قبل أن يأتي -صلى الله عليه و سلم- إلى الدنيا، وعندما فتح بصره على العالم لم يجد أبا يستند إليه ويستمد المعونة منه، وعندما بلغ السادسة من عمره فقد السند الآخر له، وفتح أمامه منذ بداية حياته الطرق المؤدية إلى نور التوحيد وإلى سر الأحدية.
صحيح أن هناك فترة حماية عبد المطلب له، إلا أن هذه لم تكن سوى ستار العزة والعظمة الإلهية من جهة وشرف للحامي، ولكن هذه الحماية لم تكن تعني من ناحية الأسباب شيئا يذكر، لأن الحماية الظاهرية لأبي طالب -فيما بعد- لم تكن تتجاوز حماية الشخص لابن أخيه والوصاية عليه هكذا تعامل الله تعالى معه، إذ سحب جميع الأسباب لكي يوجهه إليه وحده ولكي يظهر عنده سر الآية الكريمة {ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير} (الممتحنة: 4)، فعليه أن يثق بالله ويعتمد عليه. كانت فاطمة رضي الله عنها ابنته، لذا كان عليه أن ينقل لابنته التربية التي تلقاها من الحق تعالى وأن يوجه نظرها إلى الله وحده وإلى الحياة الأخروية.
| |
|
لولا Admin
عدد المساهمات : 870 نقاط : 1789 السٌّمعَة : 2 تاريخ التسجيل : 06/07/2009
| موضوع: رد: صفـة الأبوة لدى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ( 4 ) !! 30/9/2009, 5:08 pm | |
| | |
|