حكاية الروائي الذي أصبح مخبراً
ذكرتُ لحضراتكم في المقرأ السابق، نقلاً عن صديقي أبي الجود من بلدة أم الجحافل الجبلية، أن المخبرَ المُطَعَّم على شاعر، قد (نفضَ) ابنَ بلدته الروائيَّ (أ - ب - ص) تقريراً لا يقف عليه حكيم، ولا تقوم للروائي من بعده قائمة، وملخصه أنه: ليبرالي، مُطَعَّـم على ديمقراطي، من جماعة كوبنهاجن!
وبينما كان (أ - ب - ص) يستمع إلى ملخص الاتهامات من المحقق، إذ اعتمل الشك في نفسه، فهو على يقين بأن ابن بلدته الشاعر المُخبر إنسانٌ غبي، وضحل، وثقافته سماعية، يعيشُ- كما كان يقول أستاذُنا حسيب كيالي- على واردات الأُذُن، فمن أين له أن يعرف ماذا تعني عبارة (جماعة كوبنهاجن)؟
قال للمحقق بلباقة: يا حضرة الضابط، أنا جئت لمراجعتكم البارحة، بناء على الموعد المحدد، فنقعني عناصرُك ثلاث ساعات، وبعدها قالوا لي (تعال بكرة، لأن المعلم مشغول !)،.. واليوم نقعوني ثلاث ساعات أخرى حتى فرغ المعلم، أعني حضرتك، من أشغاله. وأنا بالمقابل سأطلب منك طلباً بسيطاً، وهو أن تؤجل متابعة استجوابي إلى الغد، لأن لدي موعداً مهماً في بلدتي أم الجحافل.
نظر المحقق في ساعته وقال: ما في مانع.
فذهب الروائي، بسرعة البرق، إلى أم الجحافل، ومع وجهه إلى مضافة المختار حيث تجتمع أمة لا إله إلا الله.
لاحظ الحاضرون أن سحنة (أ - ب - ص) الحالية غير متطابقة مع سحنته في الأيام العادية. سألوه عما ألم به، فقال: لا شيء، ولكنني أريد أن أحزركم حزورة لا تقل شاناً عن " حزورة رمضان " التي ما تزال إذاعة دمشق تتحفنا بها منذ ستين سنة.
تشوق بعض الحاضرين، وسألوه: ما هي؟
فقال: كوبنهاجن، هل هو اسم نهر في البرازيل، أم هو اسم لمرتفعات جبلية في جنوب السنغال؟
ساد صمت رهيب، وصوب (أ - ب - ص) بصره نحو المخبر الشاعر، فوجده يبلع ريقه بصعوبة، فقال:
- أنا أعترف بأن الحزورة صعبة، ولكن لا شك في أن أخانا الشاعر فلاناً يعرف جوابها، ومؤكد أنه لم يبادر للإجابة عنها لئلا يُحرجكم.
قال المختار (للروائي): يا سيدي ما في إحراج، ونحن نعرف أنكم أنتم المثقفين أفهم منا بألف مرة. (وللشاعر)، جاوب عين عمك جاوب. خلونا نتعلم منكم ونتثقف!
قال الروائي: سأعفيكم من معرفة الجواب الجغرافي للحزورة، وسأحزركم الحزورة نفسها بطريقة سياسية: من منكم يعرف شيئاً عن (جماعة كوبنهاجن)؟
ساد الصمت، ولم يحر أحد جواباً، فقال لهم (أ - ب - ص):
- والآن سأزف لكم بشرى سارة: لقد اتخذت فروع الأمن الموجودة في مركز المحافظة قراراً جماعياً باعتمادي مُخبراً لديهم، وقرروا أن يحلقوا لجميع المخبرين المعتمدين لديهم من قبل على الزيرو! وسبب ذلك أن المخبرين السابقين أغبياء، ومفترون، ويكتبون تقاريرهم على عماها! تصوروا أن أحدهم كتب بحقي تقريراً مفاده أنني من (جماعة كوبنهاجن)، فلما سئل عن معنى العبارة تبين أنه لا يعرف (كوبنهاجن)، ولا يعرف (الجماعة)، وحينما سألوني أنا عنها جاوبتهم بطريقة مفصلة، ومسهبة، ومضيت معهم قُدُماً فحكيت لهم عن جماعات أخرى اجتمعت، وأخرى لم تجتمع، مع الإسرائيليين، في أماكن أخرى غير كوبنهاجن، مع إضاءة (برجكتورية) لبرامج هاتيك الجماعات، وأفكارها الأيديولوجية، وأهدافها المرحلية والاستراتيجية.
ولكن، يا شباب، أريد أن أوضح لكم نقطة هامة: قديماً حينما كان يلعب اثنان من أهل البلدة لعبة الباط، كان أحدهما يقول للآخر: افرد، وابتعد، ولا تقل إني أخذتُك بالغدر! وهأنذا أقولها لكم بالفم الملآن: قسماً بالله من الآن فصاعداً بدي أعمل وأترك فيكم بالتقارير تبعي، ولكن الفرق بيني وبين المخبرين القدامى أنهم غدارون وكذابون وأغبياء وغير مثقفين، وأنا على العكس، وقد أعذر من أنذر!