النظام الفدرالي في اساسه هو اتحاد اختياري بين الاطراف سوى كانت اقاليم او محافظات او ولايات او ما شابه ذلك وفق اتفاق شامل و بارادة و قناعة المتفقين ، و هناك العديد من الدول التي تتمتع بهذا النظام و تعيش بسلام و امان و تشهد التقدم و الازدهار و التنمية المستمرة. و الفدرالية الحقيقية يمكن ان تفيد اللامركزية في الحكم و الهدف الرئيسي منها هو ضمان العدالة الاجتماعية و كيفية الوصول الى التساوي في توزيع الثروات و الحقوق و المواطنة بشكل عام من حيث الواجبات و الحقوق دون اي تمييز يُذكر و ان اختلفت صفات المكونات و تباعدت المسافات بينهم .
اما في العراق ، فان التركيب الموزائيكي لشعوبه و الاختلافات الجذرية بينهم من كافة النواحي و ظروفه الداخلية من حيث التماسك و الوحدة و التعاون بين الفئات ، و الوضع الاقليمي و العالمي الذي يمس وضع العراق من كافة النواحي و هو الذي يفرض الحلول التقريبية للقضايا الشائكة في اكثر الاحيان . اما ما يفيد العراق ان طبق هذا النظام بشكل صحيح و كامل فيمكن قطع دابر التدخلات الخارجية في شؤون البلد في مدة معينة بعد تراضي جميع المكونات و ردم الثغرات و المصالحة العامة و العيش معا بسلام و امان ، و بمنع المواجهة بينهم و ان كانت لبعض المكونات الحقوق الاكثر نظرا لما فيه و ما وقع عليه في تاريخه و مغدوريته و هضم ما من حقه منذ انبثاق الدولة العراقية ، و لبعض منها الحق في تقرير المصير لتوفر المقومات الاساسية لبناء كيناهم واستقلاليتهم ، و يمكن تحقيق ذلك في دولة ديموقراطية تعددية حرة . اما سلبيات الفدرالية ، فيمكن ان تكون مشابهة للانظمة الاخرى من حيث السلطة و القمع ايضا و حسب الارضية التي تبنى عليها و كما شاهدنا ماجرى في الانظمة المتنوعة السابقة و على اختلاف تسمياتها ، و من الممكن ان تنتج الفدرالية الظلم و القمع او تتعايش معه و هي تتمكن من ازالة الديموقراطية ان استغلت ايضا. اما ما تتناسب مع العراق من نوع الفدرالية هي انبثاقها من الاعلى الى الاسفل و تكون الاطراف ذات الصلاحيات الاكبر و الاوسع ، اي ، الدولة المركزية هي صاحبة السيادة في امور معينة و السلطة تتوزع وهي التي تقرر توزيع سلطتها على الاقاليم و المحافظات و الولايات بموافقة الجميع وفق نظام برلماني و ليس رئاسي كما يدعي البعض و الذي لا يعني شيئا سوى الرفض لجوهر الفدرالية، ان قيمنا العراق و ما فيه ، و المطلوب تقليل من سلطة المركز بعد توزيعها بالتساوي الا في بعض منها التي تعتبر سيادية و كما هو حال بلجيكا و المكسيك و الهند و البرازيل و استراليا و اسبانيا . اما بناء الفدرالية من الاسفل الى الاعلى، اي اتحاد الاقاليم و المحافظات و الولايات ذات الصلاحيات الكبيرة و بسمات خاصة و جمعها تحت خيمة الدولة المركزية كما هو حال بداية اتحاد الولايات المتحدة الامريكية و لاسبابها المعروفة من الحروب الاهلية و الفروقات بين الشمال و الجنوب و كان انقاذا لنفسها من الضعف التي كانت فيه و توجهت نحو المركزية شيئاما و ان بقت على النظام الفدرالي بعد الظروف العصيبة التي مرت بها .
ان تاريخ العراق و وضعه الاجتماعي السياسي و الثقافي و العقلية التي تدير الدفة و شخصية الفرد و القادة المنبثقة من هذه الظروف في الوقت الحاضر لا تبشر بان تطبق الفدرالية كما هو المطلوب من الجميع ، و لم تنضج العقلية التسامحية و المعترفة بحقوق الاخر و برضى النفس و احترام اراء ومواقف الاخر و مطاليبه الحقة ، و كل ما تتحكم هي المصالح و ما وراء الايديولوجيات و اكثرها روحانية مثالية ،و ما تتطلبه الفدرالية من خصوبة الارضية من حيث المستوى الثقافي و العقلية السلمية و العلمانية التقدمية و البعد عن التشنج و الصفات العصبية الضيقة الافق من الشوفينية و العنصرية و المذهبية و التي هي متوفرة و منتشرة بشكل كبير، و انما ما يمكن من ترسيخ الفدرالية يمكن ذلك بين الشعوب المؤمنة بالانسانية و المساواة و المواطنة بعيدا عن التطرف و التفرقة و التميز . و هذه الصفات الضرورية المطلوبة و للاسف تفتقدها شعوب العراق و هذا ما يدعنا ان لا نتفائل في كيفية تجسيد الفدرالية الفتية التي بداناها منذ سقوط الدكتاتور و ما بقت منها الى المرحلة بسهولة ،و بالاخص، لا تزال الديموقراطية في بداية الطريق في العراق و تحتاج الى الوقت اللازم لبدء المسيرة الطويلة الامد من العملية المتعددة الجوانب .