عندما تسكت شهرزاد...(1)
كثيراً ما أفكر فى القصص الشهيره ..ألف ليله و ليله..
كم أجد أن شهريار هذا محظوظ بوجود شهرزاد التى تحكى له كل ليله حكايه جديده و غريبه،
عن بلاد بعيده و عوالم مختلفه من الأنس و الجن، مغامرات مثيره فى البر و البحر و حتى فى
الجو، حيوانات و طيور من كل الأنواع و الأحجام.
و لكم تسائلت.. ترى أمن الممكن أن أجد يوماً شهرزاد أخرى تحكى لى أنا أيضاً مثل شهريار،
و أسترسلت فى أفكارى قليلاً و تخيلت كيف سيكون الوضع فى هذه الحاله، عندما أصبح أنا
شهريار الجديد، تخيلت قصر منيف، تحيطه حدائق واسعه، الحراس و الخدم يملئون أركانه،
غرفه ضخمه، فراش وثير، وسائد كبيره و ناعمه، وأنا أجلس متكئاً على هذه الوسائد خلف
ستائر حريريه، و بجوارى تجلس شهرزاد الجديده..يا لها من صوره ممتعه..
و تخيلت أنى ككل الملوك فى هذه القصص أشعر بشئ من الملل والرغبه فى التجديد و عندما
أتحدث عن هذا مع شهرزاد تقترح هيا أن تحكى لى حكايه ، فأوافق على الفور و تبدأ الحكايات
فتعتدل شهرزاد فى مجلسها و تقول جملتها الشهيره... بلغنى أيها الملك السعيد ذو الرأى الرشيد..
و بدأت أتخيل أنواع القصص التى ستحكيها شهرزاد فى عصرنا هذا فوجدتها تقول..
بلغنى يا مولاى أنه فى يوم من الأيام، فى بلاد بعيده ، قديمه و عريقه، كانت ذات يوم حضاره
كبيره، كان يعيش مواطن غلبان أسمه كحيان، و يعمل موظفاً فى الديوان، و راتبه من الجنيهات
مئتان، لديه زوجه و لديه من العيال إثنان.
و ذات يوم ذهب كحيان لشراء الطعام، و بينما هو يمشى فى الأسواق و يشاهد الأسعار و تلعب
به الأفكار..إذا به يقف أمام دكان الجزار..و راودته الأحلام فرأى نفسه يأكل قطعه من اللحم مع
قليل من الخضار..فلعبت به الظنون و الأهواء، وسولت له نفسه الإقتراب، فتحركت قدماه نحو
دكان الجزار، و عيناه تلمعان كجمرتان من النار.. حتى بلغ باب الدكان، و يداه فى جيوبه تبحثان،
فلم يجد بهما سوى جنيهان..فنظر نظره إلى الأسعار، فشعر بلفحه من النار، وقال.. تسعون..مائه
..مئتان.. يا إلهى من أين لى مثل هذه الأموال.
و تسمرت قدماه، و تحجرت عيناه، و عاد إلى الوراء، و أنطلق فى الطرقات، تملئه الحسرات،
و من عيونه تساقطت عبرات، و..
و صاح الديك..
..يا إلهى .. حمداً لله أن صاح هذا الديك ليرحمنى من هذه المأساه..يبدو أن حكاياتى
مع شهرزاد الجديده هذه ليست مبشره على الأطلاق..ها هى تتثائب و الحمد لله يبدو أنها تشعر
بالنعاس أرجو من الله أن تقول ما أتمنى سماعه..
تتنهد شهرزاد و تقول فى صوت خافت ..فلنكمل غداً يا مولاى.
و هنا أدرك شهرزاد الصباح...فسكتت عن الكلام المباح..