تنادي دائما وزارة التعليم العالي بمعايير الجودة العلمية في مؤسسات التعليم العالي من جامعات وكليات ومعاهد اكاديمية حتى انها قد استحدثت دائرة مختصة لهذا الموضوع. والظاهر انه من معايير الجودة العلمية الحديثة هي انه لا يسمح لخريجي كليات التربية بالتقديم للدرسات العليا في كليات العلوم والاداب والعكس صحيح، حتى لا تضطرب الامور ولكون هنالك فوارق علمية بين مستوى الخريجين من هذه الكليات ولحل هذا الاشكال تم الاقرار بمنع التقديم بين كليات التربية والعلوم.
لكن لنرجع بالزمن الى السنوات السابقة والماضية ولنستعرض كيف كانت الامور وسوف نرى انه لا توجد مثل هذه القرارات الدراماتيكية في الجامعات العراقية فكان خريجي كليات التربية والعلوم يقدمون للدرسات العليا في اي كلية كانت والمعيار الذي يقاس عليه الطالب للتقديم هو الشهادة التي يحملها حسب تعليمات الدراسات العليا للجامعات العراقية من خمسينيات القرن الماضي الى وقت حرب عام 2003. فأن كان يحمل شهادة الماجستير في العلوم سواء اكان متخرجا من كلية العلوم أو كلية التربية فله الحق في التقديم للدراسات العليا في اي من الكليتين التربية او العلوم، لكن أبان حرب 2003 نرى ان العديد من الكليات بدأت بأصدار هذا القرار الذي سرعان ما اصبح قراراً عاماً على جميع كليات التربية والعلوم.
وهنا اريد ان اذكر بثلاثة محاور او نقاط لنتفكر بها قليلاً وهي:
- هل نعلم انه اغلب الاساتذة الكبار والعملاقة في كليات التربية والعلوم من الاجيال السابقة والذين هم من اسسوا الاسس لبناء الجامعات والتعليم العالي في العراق هم خريجي كليات تربية والتي كانت سابقة تسمى بكلية المعلمين العالية وحتى انه يوجد عدد كبير الان من خريجي كليات التربية هم تدريسيين متميزيين في كليات العلوم وذو شأن ومكانة عالية.
- في عقد التسعينييات الماضي كانت هنالك مسابقة على مستوى العراق للطلبة الثلاثة الاوائل المتخرجين لكل اختصاص من اختصاصات دراسة البكالوريوس في مؤسسات التعليم العالي من جميع الجامعات العراقية، وكان طلبة كليات التربية وكليات العلوم يؤدون نفس الامتحان بنفس الاسئلة والمكان في كلية القانون بجامعة النهرين حالياً، حيث لا توجد اسئلة خاصة بطلبة كليات التربية واخرى خاصة بطلبة كليات العلوم ضمن التخصص نفسه. وهل تعلم انه يقال ان طلبة كليات التربية كانت لهم نتائج متفوقة على زملائهم من طلبة كليات العلوم في هذه الامتحانات على مر فترة تطبيق هذه المسابقة.
- اعتقد انه لا يختلف اثنان في ان جامعة بغداد والجامعات العراقية كانت من افضل الجامعات خلال العقود الماضية باستثناء سنوات الحصار في عقد التسعينيات الماضي. حيث كانت الجامعات العراقية وخصوصاً جامعة بغداد تحتل الصدارة في افضل الجامعات العالمية والعربية وجامعات الدول الاسلامية والشرق اوسطية. لكن الان نرى ان جامعة بغداد التي هي افضل الجامعات العراقية توجد بتسلسل الخمسة الاف ونيف ضمن تسلسل افضل ستة الاف للجامعات العالمية المنشور في شهر كانون الثاني لعام 2009، ومن بعدها عدد من الجامعات العراقية. اما ضمن افضل مائة جامعة عربية وأفضل مائة جامعة شرق أوسطية وأفضل ألف جامعة في أسيا وأفضل مائة جامعة في الدول الاسلامية فمع الاسف لا يوجد ذكر لأي جامعة عراقية.
لنتفكر جيداً بالنقاط اعلاه. وأود ان اخبركم انني حاصل على شهادة الماجستير من كلية التربية بتخصص الفيزياء و لايحق لي الان التقديم لدراسة الدكتوراه في اي من كليات العلوم ضمن الجامعات العراقية المذكورة بنهاية قائمة افضل ستة الاف جامعة في العالم او غير مذكورة اصلاً والغير مذكورات جميعهن في قوائم افضل مائة جامعه عربية اوأفضل مائة جامعة في الدول الأسلامية أو أفضل الف جامعة لدول اسيا لكونني خريج كلية تربية. لكن من سخرية القدر المضحكة ان افضل عشرة و أفضل مائة وأفضل الف جامعة في العالم من جامعات اميركية واوربية وغيرها تقبلني لدراسة الدكتوراه في كليات العلوم وحتى في كليات الهندسة لكوني مختص بالفيزياء!.
اعتقد انه لكوننا نمتلك احد أفضل معايير الجودة العلمية العالمية الا وهو تمييز المتقدمين للدراسات العليا بين كليات العلوم والتربية والذي جعل الجامعات العراقية بصدر قائمة افضل الجامعات في العالم، في حين ان افضل عشرة و أفضل مائة وأفضل الف جامعة من جامعات اميركية واوربية وغيرها لا تطبق هذا المعيار المهم وتقبل خريجي كليات التربية في كليات العلوم وحتى الهندسة. نرى ان هذه الجامعات اصبحت بنهاية قائمة افضل الجامعات في العالم أو حتى أنها لم تذكر ضمن افضل الجامعات عالميا اوأقليمياً ؟!!.
في مقالة قادمة سوف نتكلم عن معيار جودة علمية جديد الا وهو عدد البحوث المنجزة خلال السنة الواحدة.